كيف يكون النكاح أساس للأسرة :
والنكاح معناه في اللغة : الضم والتداخل .
ومعناه في الشرع : عقد بين الزوجين يحل به الوطء.
وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء . وعلى الصحيح لقوله تعالى : فانكحوهن بإذن أهلين ) والوط لا يجوز بالإذن .
وقال أبو حنيفة : هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد لقوله ﷺ : " تناكحوا تكاثروا .. وقبل غير ذلك .
ويدل على القول الأول ما قبل من أنه لم يرد في القرآن إلا للعقد ، كما صرح به الزمخشري في كشافه في أوائل سورة النور ولكنه منتقض بقوله تعالى : حتى تنكح زوجاً غيره ) فإن المراد به الوطء بالإجماع . أهـ " من نيل الأوطار حا " والأصل في
مشروعيته الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
أما الكتاب : فقول الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) [النساء: 3].
وقوله تعالى : ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإماتكم .. [النور: ٣٢] .
وأما السنة فقوله ﷺ : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ( القيام بأعباء الزواج ) فليتزوج ... الخ متفق عليه . والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة .
وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع .
حكم النكاح
قال في المغني ح ۷ : " الناس في النكاح على ثلاثة أضرب " :
الأول : منهم من يخاف على نفسه الوقوع في المحظور إن ترك النكاح ، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام وطريقه النكاح .
الثاني : من يستحب له : وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور ، فهذا الاشتغال به أولى من التخلي لنوافل العبادة ، وهو قول أصحاب الرأي ، وهو ظاهر قول الصحابة رضوان الله عليهم وفعلهم .
قال ابن مسعود : لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوماً ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة .
وقال ابن عباس السعيد بن جبير : تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء .
وقال إبراهيم بن ميسرة : قال لي طاوس : لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد : ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور.
قال أحمد في رواية المروذي : ليست العزية من أمر الإسلام في شيء ، وقال : دعاك إلى غير التزويج ، فقد دعاك إلى غير الإسلام .
من وقال الشافعي : التخلي لعبادة الله تعالى أفضل ، لأن الله تعالى مدح يحيى عليه
السلام بقوله : ( وسيداً وحصورا ) [ آل عمران : ٣٩ ] .
والحصور : الذي لا يأتي النساء ، فلو كان النكاح أفضل لما مدح بتركه .
وقال تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ) [ آل عمران : ١٤ ]
وهذا في معرض اللم ، ولأنه عقد معاوضة فكان الاشتغال بالعيادة أفضل من كالبيع .
دليل الأول : ما تقدم من أمر الله تعالى ورسوله به وحلهما عليه ، وقال : ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني . البخاري وغيره .
وقال سعد : لقد رد النبي على عثمان بن مظمون التبتل ، ولو أحله الاختصينا . . متفق عليه .
وعن أنس قال : كان النبي يأمرنا بالباءة ، التزوج " ، وينهي عن التبتل نهياً شديداً ويقول : " تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " ، رواه أبو داود والنسائي والحاكم ، وصححه الألباني .
وهذا حث على النكاح شديد ووعيد على تركه يقربه إلى الوجوب والتخلي منه إلى التحريم ، ولو كان التخلي أفضل لانعكس الأمر، ولأن النبي تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ، ولا يشتغل النبي ﷺ وأصحابه إلا بالأفضل ، ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى ...
ومن العجب أن من يفضل التخلي لم يفعله فكيف اجتمعوا على النكاح في فعله والغوه في فضله ؟ فما كان فيهم من يتبع الأفضل عنده ويعمل بالأدنى ، ولأن مصالح النكاح أكثر فإنه يشتمل على تحصين الدين وإحرازه ، وتحصين المرأة وحفظها ، والقيام بها ، وإيجاد النسل ، وتكثير الأمة ، وتحقيق مباهاة النبي ﷺ ، وغير ذلك من المصالح الراجح أحدهما على نقل العبادة فتكون بمجموعها أولى .
وأما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه ، وشرعنا وارد بخلافه .
القسم الثالث : من لا شهوة له إما لأنه لم يخلق له شهوة كالمنين ، أو كانت له شهرة فذهبت لكبر أو مرض ونحوه فقيه وجهان : أحدهما : يستحب له النكاح لعموم ما ذكرنا .
والثاني : التخلي له أفضل لأنه لا يحصل مصالح النكاح ويمنع زوجته من التحصيل بغيره ، ويضربها بحبسها على نفسه ، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها ، ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه .
الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود عن عبد الله بن مسعود الله قال : قال رسول الله ﷺ : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ( القدرة المالية ( فليتزوج فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ( إضعاف للشهوة ) . . رواه البخاري ومسلم واللفظ لهما .
وعن أبي أيوب الله قال : قال رسول الله ﷺ : " أربع من سنن المرسلين : الحناء ، والتعطر ، والسواك ، والنكاح ..
وقال بعض الرواه : الحياء بالياء رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن غريب .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال : الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة " رواه مسلم والنسائي ، وابن ماجه .
ولفظه قال : " إنما الدنيا متاع ، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة صالحة " .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال : " أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وبدئاً على البلاء صابراً ، وزوجة لاحوبا ( دنيا) في نفسها وماله " . رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحدهما جيد . رواه المنذري.
وعند محمد بن سعد ، يعني ابن أبي وقاص عن أبيه أيضاً الله أن رسول الله ﷺ قال : ثلاثة من السعادة : المرأة الصالحة تراها تعجبك ، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون وطيئة فتلحفك بأصحابك ، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق . وثلاث من الشفاء: المرأة تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون قطوفاً ، فإن ضربتها أتعبتك ، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق . . رواه الحاكم وقال : تفرد به محمد يعني ابن بكير الحضرمي ، فإن كان حفظه فهو بإسناده على شرطهما .
قال الحافظ : محمد : هذا صدوق ، وثقه غير واحد .
وعند أنس له أن رسول الله ﷺ قال : " من رزقه الله امرأة صالحة ، فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الباقي " رواه الطبراني في الأوسط والحاكم ، ومن طريقه للبيهقي ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد . وقال ابن حجر : إسناده ضعيف وفي رواية البيهقي قال رسول الله ﷺ : " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين ، فليتق الله في النصف الباقي ، وقال الألباني : حسن الطرقه وعن أبي هريرة الله قال : قال رسول الله ﷺ : " ثلاثة حق على الله عونهم :
المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح الذي يريد العفاف " رواه الترمذي واللفظ له ، وقال : حديث حسن صحيح ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم . وقال الألباني : إسناده حسن وعن أنس بن مالك لله قال : جاء رهط " جماعة " إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ : فلما أخبروا كأنهم تَقالُوها ( عدوها قليلة ) ، فقالوا : وأين نحن من النبي ﷺ ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدأ ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبدا ، وقال آخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء رسول الله ﷺ ، فقال : أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم الله ، وأتقاكم له ، ( أشد خشية وأكثر تقوى منكم ) لكني : أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب ( أعرض ) عن سنتي ، فليس مني ) أي فليس متبعا لطريقتي ( " رواه البخاري ، واللفظ له ومسلم وغيرهما وعن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله ﷺ : " تنكح المرأة على إحدى خصال : لجمالها ، ومالها ، وخلقها ، ودينها ، عليك بذات الدين والخلق تربت يمينك . رواه أحمد بإسناد صحيح ، والبزار ، وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه .
وعن أبي هريرة الله أن رسول الله ﷺ قال : " تُنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
تربت يداك " كلمة معناها الحث والتحريض ، وقيل هي هنا دعاء عليه بالفقر ، وقيل : بكثرة المال ، واللفظ مشترك بينهما قابل لكل منهما ، والآخر هنا أظهر ، ومعناه : اظفر بذات الدين ولا تلتفت إلى المال أكثر الله مالك .
وعن معقل بن يسار الله قال : جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها فنهاه ، ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك : ثم أتاه الثالثة فقال له : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
رواه أبو داود ، والنسائي والحاكم ، واللفظ له وقال : صحيح الإسناد . وقال الألباني : صحيح لطرقه وعن أبي أمامه عن النبي ﷺ أنه قال : " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة ، إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله " رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف . ولكن ما ورد فيه صحيح في حكم الشرع ووردت أدلة بمعناه .