وفي واقع الحال، ليس هناك قوى أقوى من الإيمان لتوجيه الإنسان .
وفي الأصل، فإن التاريخ البشري هو تاريخ الإيمان عند الإنسان. فأولئك الذين غيروا مجرى التاريخ هم أنفسهم الذين غيروا من معتقداتنا وسلوكنا؛ لذلك علينا أولاً أن نبدأ بتغيير معتقداتنا؛ لكي نحاكي التفوق ثم علينا أن نحاكي معتقدات من حققوا النجاح " وتاريخنا الإسلامي زاخر بأمثلة باهرة في ذلك " .
وكلما زاد ما نعرفه عن السلوك الإنساني، زادت معرفتنا بالأثر غير العادي للإيمان على حياتنا، وفي كثير من الحالات، يتحدى هذا الأثر النماذج المنطقية التي يعتقد معظمنا فيها. ولكن، من الواضح أنه حتى على المستوى الفسيولوجي، فإن المعتقدات (التمثيل الداخلي المتناغم) يسيطر على الواقع، وقد أجريت - منذ وقت ليس بالبعيد - دراسة غير عادية عن انفصام الشخصية، وكانت إحدى حالات الدراسة لامرأة تعاني من انفصام الشخصية، في العادة، كان معدل السكر في الدم لديها عادياً تماماً، ولكن عندما كانت تؤمن بأنها مصابة بمرض السكر، كانت فسيولوجيتها تتغير تماماً لتتحول إلى فسيولوجية مريض بالسكر ؛ ولذا، فقد أصبحت معتقداتها أمراً واقعاً. وعلى غرار ذلك، كانت هناك دراسات عديدة حيث يتم لمس شخص منوم مغناطيسيا بقطعة من الثلج على أنها قطعة من المعدن الساخن. وفي كل الحالات، كانت بثرة تظهر في موضع التلامس، فقد كان الأثر هنا لما اعتقده الشخص وليس للواقع - وهو التواصل المباشر القاطع للجهاز العصبي - فالمخ بكل الإيمان وإيقاظ القوى الخفية بساطة يفعل ما يؤمر به .
ومعظمنا سمع عن الدواء ذي الأثر الوهمي فأولئك الذين يُصرف لهم عقار على أن له أثراً معيناً، يشعرون فعلاً بهذا الأثر مع أنهم يتناولون قرصاً فارغاً من هذا العقار ليس به أي خواص فعالة . ويقول نورمان كيزنز الذي علم بنفسه ما للإيمان من قوة في التخلص من مرضه : ليست العقاقير أمراً ضرورياً في كل الأحيان، أما الإيمان فهو ضروري دائماً . ومن الدراسات الرائعة عن الدواء ذي الأثر الوهمي، دراسة تمت على مجموعة من المرضى المصابين بقرحة، وقد تم تقسيمهم إلى مجموعتين، تم إعطاء المجموعة الأولى عقاراً أخبروا بأنه سوف يشفيهم تماماً من مرضهم. وتم إعطاء المجموعة الثانية عقاراً أخبروا بأنه تجريبي ولا يعرف سوى القليل عن أثره. وقد شفي سبعون بالمائة من المجموعة الأولى بصورة كبيرة من القرحة. ولم يحقق سوى ٢٥٪ من المجموعة الثانية نتائج مماثلة. وفي كلتا الحالتين تم إعطاء المرضى عقاراً ليس له أي خواص علاجية على الإطلاق. كان الفارق الوحيد هو نظام الإيمان الذي تبنوه. وهناك دراسات أخرى أروع من تلك، وهي الدراسات العديدة التي تم فيها إعطاء المرضى دواء كان من المعروف أن له أثراً ضاراً، ومع ذلك أخبروا أنهم سيحصلون على أثر إيجابي، وعندها لم يتعرضوا لأي آثار ضارة مطلقاً.
وقد أظهرت الدراسات التي أجراها الدكتور "أندروويل" أن مدمني المخدرات يحصلون على أثر يطابق توقعاتهم تماماً. فقد وجد أنه يسكن ويهدئ شخصاً ما بإعطائه الأمفيتامين ، وأنه يجعل آخر يشعر بالنشوة عند إعطائه الباريتيوريت. واختتم الدكتور ويل قائلاً: "إن سحر المخدر يكمن في عقل متعاطيه، ليس في العقار ذاته وهو الرسائل المتناسقة والمتناغمة التي تم إرسالها إلى المخ والجهاز العصبي . وفي جميع هذه الحالات، كان الإيمان هو العنصر الثابت الوحيد الذي كان له أكبر تأثير على النتائج، ومع كل هذه القوة التي يتمتع بها الإيمان، فليس هناك أي قوى غامضة في هذه العملية. فالإيمان ليس سوى حالة نفسية، أو تمثيل داخلي يحكم السلوك. ويمكن أن يكون إيماناً باعثاً على القوة بشأن ما هو ممكن أو الإيمان بأننا سوف ننجح في شيء ما أو نحقق شيئاً آخر، ويمكن أن يكون كذلك إيماناً باعثاً على العجز، أو الفشل وعدم تحقيق النجاح، أي أن أوجه قصورنا واضحة ولا يمكن التغلب عليها وأنها هائلة. فلو اعتقدت في النجاح، فسوف تكون لك القدرة على تحقيقه . وإذا كنت تؤمن بالفشل، فإن هذه الرسائل ستميل لأن تؤدي بك إلى الفشل . فكلا الاعتقادين قوة هائلة، أما السؤال الذي يجب أن نطرحه فهو : أيهما أفضل بالنسبة لنا، وكيف نكتسبهما ؟
ويبدأ مولد التفوق بإدراك أن لنا الخيار فيما نؤمن به، وفي العادة لا ننظر إلى الأمر من هذه الناحية، إلا أن الإيمان يمكن أن يكون اختياراً نقوم به عن وعي، فبإمكانك أن تختار المعتقدات التي تساندك في التفوق أو التي تحد من قدراتك، والمهم هو أن تختار المعتقدات المحفزة للنجاح والنتائج التي ترجوها، والتخلص من تلك التي تعوقك . وأكبر سوء فهم عند الناس بخصوص الإيمان، هو اعتقادهم بأنه الإيمان وإيقاظ القوى الخلية
مفهوم فكري جامد، أو منعزل عن العمل والفعل والنتائج. وهذا المفهوم هو أبعد ما يكون عن الحقيقة الإسلامية؛ فالإيمان هو الباب المؤدي إلى
التفوق وذلك لأنه لا يمت بصلة إلى الجمود.
يحدد لنا إيماننا كم قدراتنا التي يمكن لنا أن نستدعيها أو نستخدمها، وهو الذي يمكن أن يسمح بتدفق الأفكار أو يوقفها. تخيل أنك تعرضت
لهذا الموقف : يقول لك شخص ما : " من فضلك أعطني الملح"، وفي أثناء سيرك إلى الحجرة المجاورة تقول لنفسك : "ولكنني لا أدري أين يوجد ". وبعد أن تمضي بضع دقائق في البحث عنه، تصرخ قائلاً : لا أستطيع أن أجد الملح" عندها، يأتي هذا الرجل ويتناول الملح من أعلى الرف الموجود أمامك تماماً ويقول : انظر يا أبله، الملح أمام عينيك، في هذه الحالة كما لو كان ثعباناً قد لدغك " . فعندما قلت إنك لا تستطيع أن تجد الملح، فإنك أعطيت إشارة إلى مخك بأنك لا تراه ويسمى ذلك في علم النفس بالاسكتوما ، وتذكر أن كل تجربة إنسانية، وكل شيء سمعته وقلته وأحسست به وشممته وتذوقته مخزون في مخك؛ ولذا، فعندما تقول إنك لا تستطيع التذكر، فأنت محق في ذلك تماماً. وعندما تقول تستطيع التذكر حيث تعطي بذلك أمراً لجهازك العصبي كي يفتح البوابات المؤدية إلى جزء المخ الذي يستطيع أن يمدك بالإجابات التي تريدها .
إن من يحققون شيئاً، يفعلون ذلك لإيمانهم بالقدرة على تحقيقه (فيرجيل)
مرة أخرى، ما هي المعتقدات؟ إنها توجهات المفاهيم موجودة ومنظمة مسبقاً ترشح تواصلنا مع أنفسنا بصورة دائمة. من أين تأتي المعتقدات؟ لماذا يكون لدى البعض معتقدات تدفعهم صوب النجاح ويكون للآخرين معتقدات تقودهم إلى الفشل، وإن كنا سنحاكي المعتقدات التي تؤدي للنجاح، فإن أول شيء نحتاج إلى معرفته هو مصدر هذه المعتقدات. أعلى هذه المعتقدات الرسالة الربانية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهي قانون السعادة الحق" وقد يأتي بعد ذلك معتقدات ومصادر منها :
مصادر أخرى للنجاح أو الفشل
من خلال ما سبق رأينا أن المصدر الأول للنجاح والتفوق بلا منازع هو الإيمان حتى إن جميع النابهين من جميع الأمم متفقون على ذلك . المصدر الثاني: البيئة، فهي المكان أو الوسط الاجتماعي الذي تجري فيه دورات الفشل الذي يولد الفشل، والنجاح الذي يولد النجاح بصور لا تنتهي، إن الإحباط والحرمان ليسا مصدري البشاعة الحقيقية للحياة في الأحياء الفقيرة، فبإمكان الناس أن يتغلبوا عليهما. لكن الكابوس الحقيقي يتمثل في أثر البيئة على الأحلام والمعتقدات. فإن كان كل ما تراه هو الفشل والإحباط، فسيكون من الصعب أن يتوافر لك التمثيل الداخلي الذي يؤدي إلى النجاح، فالمحاكاة هي أمر نقوم به جميعاً طوال الوقت . فإن ترعرعت في بيئة يسودها الثراء والنجاح، فسيسهل عليك محاكاة الثراء والنجاح، أما إن ترعرعت في بيئة يسودها الفقر، فهنا ستكون نموذجك الخاص بما يمكن القيام به .
قال ألبرت أينشتين : القليل هم من لهم القدرة على التعبير بآراء متزنة تختلف عن الأحكام المسبقة لبيئتهم الاجتماعية " .
وفي الدورات التي أعقدها حول المحاكاة المتقدمة، أقوم بتجربة ، حيث نعثر على أناس ممن يعيشون في شوارع المدن الكبرى، ثم نعمل على تقييم نظم إيمانهم واستراتيجيتهم العقلية. ونقدم لهم الطعام وقدراً كبيرا من الحب، ثم تطلب منهم أن يخبروا المجموعة من حياتهم، وما هي شعورهم تجاه ما هم فيه الآن؟ وما هو السبب - في رأيهم - وراء كون الأمور على ما هي عليه الآن؟.
ثم تعقد مقارنة بينهم وبين أناس ممن حولوا حياتهم كلية على الرغم من العرضهم المشكلات عاطفية وصحية بالغة، وفي إحدى الجلسات التي عقدت مؤخراً، كان يوجد شاب يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً. وكان قوياً وذكياً ومعافى جسمانيا ووسيماً، ما السر وراء تعاسته وعينه في الشارع، في حين أن دبليو ميتشل - الذي لم يكن لديه الكثير من القدرات لتغيير حياته - كان يتمتع بسعادة غامرة ؟ لقد نشأ ميتشل في بيئة كان يوجد بها قدرات يحتذى بها، نماذج الأناس تغلبوا على صعاب جمة من أجل الوصول إلى حياة ممتلئة بالسعادة، وخلق ذلك ثقة في ذاته : وقد كان ذلك ممكناً في حالتي أيضاً. وعلى نقيض ذلك، فإن هذا الشاب، والتطلق عليه جدلاً اسم "جون ، نشأ في بيئة لم يوجد فيها أي قدوة يحتذى بها، حيث كانت أمه سيئة السمعة، وسجن أبوه بتهمة القتل، وعندما كان في سن الثامنة حقنه أبوء بحقنة هيروين، وبكل تأكيد، لعبت هذه البيئة دوراً في اعتقاده بما يمكن عمله - ألا وهو مجرد البقاء حيا - وكيفية تحقيق ذلك من العيش في الشوارع والسرقة والتخلص من الآلام بتعاطي المخدرات، وكان يعتقد أن الآخرين دائماً يحاولون استغلاله ما لم يأخذ حذره منهم، فلا أحد يحب غيره، وهلم جرا. وفي هذه الليلة، عملنا مع هذا الرجل، وغيرنا من معتقداته وكنتيجة لذلك، لم يعد إلى العيش في الشوارع، كما أقلع عن المخدرات، وهو الآن يعمل، وله أصدقاء ويعيش في بيئة جديدة بمعتقدات جديدة، كما أنه يحقق نتائج جديدة، وهذا بالضبط الذي عمله الإسلام في المجتمع الجاهلي حيث أعطاهم القوة الإيمانية النفسية وأعطاهم التعاليم الصحيحة والأساليب الحسنة التي غيرت من أنماط حياتهم.
درس الدكتور بنجامين بلوم من جامعة شيكاغو مائة حالة ناجحة الرياضيين من الشباب، وموسيقيين والطلاب يا وقد دهش عندما اكتشف أن عالية هؤلاء النوابغ من الشباب لم يبدأوا حياتهم بإظهار تفوق باهر . وعلى نقيض ذلك، فقد تلقى معظمهم ارشاداً ودعماً وعناية، ثم بدأوا بعد ذلك في التطور. فقد ظهر الاعتقاد في إمكانية أن يحققوا تفوقاً، خاصة قبل ظهور أي علامات على امتلاكهم موهبة حقيقية . إن البيئة يمكن أن تكون أقوى مولد كامن للمعتقدات بالمخالطة وتسمى معتقدات تجوزا) ولكنها ليست المولد الوحيد، ولو كان الأمر كذلك، لعشنا في عالم ثابت لا يتغير، حيث لا يعرف الأثرياء سوى الثراء، ولا يخرج الفقراء مطلقاً من فقرهم " فهناك بيئات محيطة أو فاسدة كالبيئة الجاهلية أو الشهوانية، وهناك بيئات، عظيمة ورائدة كالبيئة الإسلامية الصحيحة " .
وفي بعض الأحيان يكون هناك تجارب وطرق أخرى للتعلم، والتي يمكن أن تكون كذلك مولدات للاعتقاد .
المصدر الثالث: الأحداث، فالأحداث - صغرت أم كبرت - يمكن أن تولد الإيمان بأشياء؛ فهناك أحداث في حياة المرء لا يمكن أبداً نسيانها ؛ فمثلاً بالنسبة للأمريكيين حادث ضرب مركز التجارة العالمي وموت الرئيس كينيدي .