رسالة الرجل في الأسرة :
أهداف معرفية يرجى تحقيقها بدراسة هذا المبحث :
يوضح مسئوليات الرجل في أسرته .
يعرض لحياة الرسول في أسرته بإيجاز .
يعدد جوانب العظمة في رسول الله ﷺ مع أسرته كزوج وأب .
ببين مكونات أسرة الرسول في نشأتها الأولى حتى وفاته .
يعدد صوراً من تلطف الرسول ﷺ ومداعبته للأطفال وحبه لهم .
يعدد حقوق الزوجة والأبناء التي أوجبها الإسلام على الرجل رب الأسرة.
يوضح أثر اختيار الأسم في شخصية المسمى به .
يعدد فوائد العقيقة للمولود.
ثانيا : المحتوى العلمي :
الرجل في أسرته راع ومسئول عن رعيته ، يأخذ بالأيدي ويقوم المعوج ويرشد الضال ويهدي الحائر ، قدوة للصغير ومثل أعلى للكبير وسيرة حسنة في الناس تتفتح أعين أسرته عليه قبل أن تتفتح على أي شيء ويلقنون منه قبل أن يسمعون أي حديث ، وصدق رسول الله ﷺ : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه . فالصلاح في الآباء والتوجيه الحسن من رب الأسرة يعمل العمل الطيب ويترك الأثر الصالح ويكون له البصمة العظيمة في حياة الأبناء ، وكذلك فإن التوجيه السيء يكون له الأثر السيء في نفوس الذرية يزرع فيهم الداء الخبيث وينقل المرض العضال إليهم ، والإسلام خص رب الأسرة بالتوجيهات والتعليمات التي لو سار عليها لتكونت عنده الأسرة الطويبة والذرية الحسنة .
الرسول المثل الأعلى لكل مسلم في أسرته :
إن لنا في سيرة رسول الله ﷺ وسيرة صحبه الكرام والصالحين من عباد الله تعالى تخراً وسندا وطريقاً ينبغي ترسم نهجه واتباع سبيله ، وقد كان رسول الله ﷺ مثلا الرجال وللأمة في سيرته مع أسرته . نحب أن نعرج على أسرة رسول الله ﷺ بدها لزوجه خديجة رضي الله عنها ، فقد كانت نعم الزوجة لأفضل زوج واكرمه .
تجارته في مال خديجة بنت خويلد وزواجه منها :
وخديجة مثل طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل العظيم . إن أصحاب الرسالات يحملون قلوباً شديدة الحساسية . ويلقون غبناً بالغاً من الواقع الذي يريدون تغييره ويقاسون جهاداً كبيراً في سبيل الخير الذي يريدون فرضه . وهم أحوج ما يكونون إلى من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه ، بله الإدراك والمعونة ! وكانت خديجة سباقة إلى هذه الخصال وكان لها في حياة محمد أثر كريم .
قال ابن الأثير : " كانت - خديجة - امرأة تاجرة ذات شرف ومال ، تستلم الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعل لهم منه . فلما بلغها عن رسول الله صال الحديث ، وعظم الأمانة ، وكرم الأخلاق ، أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشام تاجر وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره ، ومعه غلامها ميسرة " .
وقد قبل محمد عليه الصلاة والسلام هذا العرض ورحل إلى الشام عاملاً في مس السيدة التي اختارته ، ويظهر أن التوفيق حالفه في هذه الرحلة ، أكثر من سابقتها مع - أبي طالب ، فكان ربحها أجزل ، وسرت خديجة بهذا الخير الذي أحرزته ولكن إعجابت بالرجل الذي اختبرته كان أعمق .
نها امرأة عريقة النسب محدودة الثروة وقد عرفت بالحزم والعقل ، ومثلها ام المادة قريش لولا أن السيدة كانت تحفر في كثير من الرجال أنهم مللاب سال لا رب قوس ، وأن أبصارهم تردد إليها بقية الإفادة من تراثها وإن كان الزواج عنوان هذا يم الكنها عندما عرفت محمداً عليه الصلاة والسلام وجدت ضرباً آخر من الرجال . رست رجلاً لا تستهويه ولا تدنيه حاجة . ولعلها عندما حاسبت غيره في تجارتها وجدت ليه والاحتمال ، أما محمد فقد رأت رجلاً تلف كرامته الفارعة موقف النيل والتجاوز . بما تطلع إلى مالها ولا إلى جمالها القد أدى ما عليه ثم انصرف راضياً مرضيا .
ووجدت خديجة ضالتها المنشودة، فحدثت بما في نفسها إلى صديقتها " نفيسه بنت مايه ، وهذه ذهبت إلى محمد عليه الصلاة والسلام تفاتحه أن يتزوج من خديجة ، فلم يطى من إعلان قبوله . ثم كلم أعمامه في ذلك فذهب أبو طالب وحمزة وغيرها إلى عم خديجة عمرو بن أسد - إذ أن أباها مات في حرب الفجار - وخطبوا إليه ابنة أخيه . وساقوا إليها الصداق عشرين بكرة، ووقف أبو طالب يخطب في حفل الزواج قائلاً : إن محمداً لا يوزن به فتى من قريش إلا رجع به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً ، وإن كان في المال فلا فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة. وله في خديجة بنت خويلد رغبة . ولها فيه مثل ذلك ، فكان جواب ولي خديجة - عنها عمرو - هو الفعل الذي لا يجدع أنفه ، وأنكحها منه ...
وقيل : إن العبارة الأخيرة جرت على لسان " أبي سفيان " عندما تزوج محمد رسول الله ابنته حبيبة . وكانت الحرب بينهما على أشدها . فاعتذر أبو سفيان عن ذلك بأن محمداً الرجل من الكفاءة بحيث يعتبر الإصهار إليه منقبة والخصومة القائمة لا تنزل يقدر محمد عليه الصلاة والسلام أبداً ، ونكاحه لبنت أبي سفيان لا يشين أبا سفيان أبداً ، وإن كان يومنذ الد عدو له .
كان محمد عليه الصلاة والسلام في الخامسة والعشرين عندما تزوج خديجة . وكانت هي قد ناهزت الأربعين . وظل هذا الزواج قائماً حتى ماتت خديجة عن خمسة وستين عاماً . كانت طوالها محل الكرامة والإعزاز ، وقد أنجب رسول الله ﷺ أولاده جميعاً منها ما عدا إبراهيم.
أولاد الرسول ﷺ :
ولدت له أولاً " القاسم " وبه كان يكنى بعد النبوة ثم " زينب " و" رقية" و " أم كلثوم
" و "فاطمة " و ( عبد الله ) ، وكان " عبد الله " يلقب بالطيب والطاهر ، ومات " القاسم " بعد أن بلغ سناً تمكنه من ركوب الدابة والسير على النجيبة . ومات عبد الله وهو طفل . ومات سائر بناته في حياته . إلا " فاطمة " فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به . كان قرآن محمد عليه الصلاة والسلام بخديجة خيراً له ولها . ولاشك أن هذا البيت الجديد قد اصطبغ بروح رب البيت ، روح التطهر من أدران الجاهلية ، والترفع عن تقديس الأوثان .
وقد استأنف محمد عليه الصلاة والسلام ما ألفه بعد زواجه من حياة التأمل والعزلة . وهجر ما كان عليه العرب في أحفالهم الصاخبة من إدمان ولغو وقمار ونفار ، وإن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته ، وتدبير معايشه ، والضرب في الأرض والمشي في الأسواق . إن حياة الرجل العاقل وسط جماعة طائشة تقتضي ضروباً من الحذر والروية ، وخصوصاً إذا كان الرجل على خلق عظيم يتقاضاه لين الجانب وبسط الوجه.
ولم يكن ثمة ما يقلق في هذه الزيجة الموفقة إلا ألم خديجة لهلاك الذكور من بنيها مع ما للذكران من منزلة خاصة في أمة كانت تئد البنات وتسود وجوه آبائهن عندما يبشرون بهن !!
والغريب أن العرب بعد البعثة كانوا يعيرون محمداً بهذا ، ويعلنون ارتقابهم لانقطاع أثره وانتهاء ذكره . فعن ابن عباس الله ، أن قريشاً تواصت بينها في التمادي في الغي والكفر. وقالت : الذي نحن عليه أحق مما عليه هذا الصنبور المنبتر - والصنبور النخلة التي اندق أصلها - يعنون أن محمداً عليه الصلاة والسلام إذا مات لم يرثه عقب ، ولم يحمل رسالته أحد " أم يقولون : شاعر نتربص به ريب المنون قل : تربصوا - فإ ني معكم من المتربصين " !!.
ومحمد ورسالته فوق هذه الأماني الصغيرة . إلا أن الأسى كان يغزو قلب الوالد الجليل وهو يودع أبناء الثري ، فيجدد الشكل ما رسب في أعماقه من آلام اليتم . إن يصنه تشبث بالحياة فاستطاع البقاء والنماء برغم فقدانه أبوبه ، وها هو ذا يرى أغصانه المنسقة عنه تنوى مع رغبته العميقة ورغبة شريكة حياته في أن يرباها مزهرة مثمرة ، وكأن الله أراد أن يجعل الرقة الحزينة جزءاً من كيانه ! فإن الرجال الذين يسوسون الشعوب لا يجنحون إلى الجبروت إلا إذا كانت نفوسهم قد طبعت على القسوة والأثرة وعاشت في أفراح لا يخامرها كدر أما الرجل الذي خبر الآلام فهو اسرع الناس إلى مواساة المحزونين ومداواة المجروحين .
أولاده :
وجميع أولاد رسول الله ﷺ من خديجة إلا إبراهيم فإنه من ماريه القبطية التي أهداها إليه المقوقس من مصر، وأكبر أولاده ( القاسم ) وبه كان يكنى ، ثم زينب ؛ وهي أكبر بناته كما ذهب إلى ذلك جمهور علماء المير ، وقد قيل في كل واحدة منهن إنها لسن من أختيها .
وقد تزوج أبو العاص - بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف - ، زينب ، وهو ابن خالتها ، وأمه هالة بنت خويلد ، تزوجها أبو العاص في حياة أمها خديجة بنت خويلد وولدت له أمامة وعليا ، وسنأتي إلى حديثها .
وتزوج علي بن أبي طالب فاطمة ، وتزوج عثمان بن عفان رقبة ، ثم أم كلثوم ..
وقد مات القاسم بمكة طفلاً صغيراً ، وقيل : بل عاش إلى أن ركب الدابة وسار على النجيبة ، وقيل : إنه لما مات القاسم قالوا : إن محمداً أبتر . وزعيم هذا القول هو العاص بن وائل السهمي ، إذ كان يقول عن النبي ﷺ : دعوه فإنه أبتر لا عقب له .
وقيل : زعيم هذا القول عقبة بن أبي معيط ، وقيل : أبو لهب وذلك حين مات ابن رسول الله ﷺ ذهب إلى المشركين فقال : بتر محمد الليلة ، فأنزل الله تعالى : { إن شانك هو الأبتر) [الكوثر : الآية ٣] ، وقيل : إن قائل هذا القول هو أبو جهل .
وشانتك : أي مبغضك وعدوك ().
ومات كذلك إبراهيم في حياة رسول الله بالمدينة المنورة ، وله ثمانية عشر شهراً ، وكانت ولادته في السنة الثامنة للهجرة النبوية .
ولم يبلغ التكليف من أولاده عليه الصلاة والسلام إلا بناته عليهن السلام ، وكلهن قد أسلمن حين أسلمت أمين خديجة ، هاجرن معه ، وتحملن في سبيل الله ما تحملن ، ومتن في
حياته ﷺ، فكن في صحيفته إلا فاطمة الزهراء فقد عاشت بعده ستة أشهر .
وقد ربامن - عليه الصلاة والسلام - التربية المثلى ، وأعطاهن مع القاسم وإبراهيم كل الرعاية والعناية ، وسأقتبس من معالم هذه التربية أقباساً هادية إن شاء الله .
لقد جاء في سيرته العطرة - صلوات الله وسلامه عليه - أنه كان يفرح ويُسر بمن يولد من أولاده ذكوراً كانوا أو إناثاً ، بل إنه كان قد عهد إلى سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب أن تقبل خديجة - أي تولدها - وتعد العدة لذلك قبل الولادة ("") .
وقد نعى القرآن الكريم على العرب الذين كانوا يسرون بالذكر دون الإناث ، بل ويعتريهم الهم الحزن لولادة الأنثى ، فقد قال عز وجل :
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم له يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم ينسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) النحل : الآيتان ٥٨-٥٩].
ومسوداً : أي متغيراً ، كناية عن غمه وهمه ، والكظيم : أي الممتلئ من الغم والكرب ، وبين - عليه الصلاة والسلام - فضل تربية البنات والإحسان إليهن ، فقد جاء عنهﷺ قوله من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ، وضم أصابعه) (۳). وجاريتين : أي بنتين